MrJazsohanisharma

الصيف الذي لم ينتهِ

 

الصيف الذي لم ينتهِ


لم يكن في نية رُبى أن تجمع الغسيل ذلك اليوم.

الشمس كانت تضرب سطح البيت بقسوة لم تعهدها حتى في تموز، والحرارة تلسع جلدها رغم أن الوقت ما زال صباحًا.

لكنها خرجت.

خرجت لأن الهدوء كان مُريبًا، ولأنها شعرت أن الهواء نفسه توقف عن الدوران، كأن هناك شيئًا يختمر في قلب الجبل، لا تراه… لكن تشعر به.


القرية الصغيرة على سفح الساحل لم تكن سوى بقعة منسية بين الأشجار، حيث يموت الوقت ببطء، ويضيع صوت البحر في ارتطام الريح بالصفائح المعدنية فوق البيوت.


خرجت رُبى إلى السطح، فرأت الدخان.

كان كثيفًا، بعيدًا لكنه يتقدم بثقة.

"من طرف البساتين؟!"، همست، وهي تقبض على حافة السور بيدٍ مرتجفة.

البساتين تعني أن بيت أم نزار احترق… وأن الطريق إلى المدرسة القديمة ستُقطع.


سمعت الباب يُفتح خلفها، ثم خطوات حافية.

"ماما، شو صاير؟"

كان سليم، ابنها الصغير، بفانيلته البيضاء وشعره المشعث.

"ولا شي، فوت لجوا."


لكن سليم لم يعد صغيرًا بما يكفي ليصدق الكذب الأبيض.

نظر إلى الدخان، ثم إليها، وسأل بهدوء غريب:

"إذا وصل لعنا، مناخد الصور ولا الدفاتر؟"


في منتصف النهار، انقطعت الكهرباء.

لم يكن أمرًا جديدًا، لكن هذه المرة لم تسبقها أي رسالة على واتساب الحي، ولم يخرج صوت الموتور من عند بيت أبو عادل.

سكون.

حتى الطيور اختفت.


رنّ الهاتف الأرضي.

لم يرن منذ أشهر.


رُبى التقطت السماعة، وقبل أن تنطق، جاءها صوت رجولي خشن:

"لا تطلعي من البيت. الطريق مسكّر. النار طالعة من طرف الجسر، ومن الطرف التاني في ناس… ما منعرفهم."

ثم انقطع الخط.


في العصر، وصل رجل إلى باب البيت.

كان يلبس قميصًا كُحل، نظيفًا بشكلٍ مزعج، ويحمل حقيبة سوداء.

لم يكن أحد من القرية.

قال إنه من “المساعدة”، ولم يوضح أي مساعدة.


طلب أن يدخل.

رفضت.


أعطاها ورقة مختومة بخاتم غير واضح، وقال بنبرة جامدة:

"في أوامر بإخلاء البيوت بين الطريق الفرعي والحقل الغربي. النار مو السبب."

ثم همس وهو يبتعد:

"إذا عندك شي مهم… خبيه اليوم قبل بكرا."


في الليل، جلس سليم قرب الباب، يضم كيسًا أسود فيه ألبومات قديمة ودفتر رسم.

رُبى كانت ترتجف بصمت.

قالت له فجأة:

"تعرف؟ الصيف خلص. من زمان خلص. نحنا بس نسينا نطفيه."


رد بصوت نائم:

"أو يمكن حدا قرر يخلّيه شغال… مشان نضل نرجع نخاف."


وخلدا إلى النوم، بينما في الخارج… كانت السماء حمراء، لكنها بلا نجوم.


إرسال تعليق

أحدث أقدم

إعلان

إعلان