شغف ميديا - shaghaf media
✍️حسن محي الدين
في الطبيعة الأم يأكل الأسدُ والنمرُ الظبيَ أو حمارَ الوحش أو ما شاكل من الحيوانات التي يمكنه اصطيادها وتشبع جوعه فقط، ولا يفترسُ بعوضةً أو جرذاً أو أفعى، وإذا لم يكن جائعاً فلا يهاجم أيا منها، ولربما لم يعترض سبيلها، ويفترسُ النسرُ ما وافق حجمهُ وسدَّ جوعَهُ من أصنافِ الأرانب والأفاعي، ولكنه لا يهاجم ظبياً أو خاروفاً، وبالمثل فإنه يكتفي بحاجته فقط. أو بحاجة من هو مسؤولٌ عن إطعامهم من فراخٍ لا تقوى على الصيد، فإذا ما بلغت تلك الفراخُ حدَّ القدرة، استقلت بنفسها وأدركت حاجتها. في الطبيعة الأم؛ يترصد الضفدع للذباب ليتغذى به، ولكنه لا يطمعُ بالأفعى أو الأرنب، وحتى النمل الذي يُعرف بالاقتصاد والتخزين، إنما يجمع ما يكفيه شتاءَهُ، ويحميه من الجوع فترة سباته إن هو دخل السبات، ولا يخزن أكثر من ذلك، وكذلك سائرُ الأصنافِ والأنواعِ الكثيرةِ من الحيواناتِ والحشراتِ وحتى النباتاتِ الآكلة، كلٌّ قد علمَ حجمه وقدرته وأدرك حاجته ليبقى على قيد الحياة، فلا يتعداها، ولا يبغي سواها، لأنه يدرك بفطرته أن اليوم التالي له حاجته، ولكلِ يومٍ رزقٌ يقسمه الله، وهي إذ تدرك حاجتها أيضا تدرك أن لا حاجة لها عند بني جنسها، فلا يأكل الأسدُ أسداً ولا النسرُ نسراً، أما الإنسان فقد خالف سُنة الطبيعةِ كُلّها، فهو فوق اعتداءه على كلّ المخلوقات، يعتدي على بني جِنسه، فيقتلُ مَن يقتل، ويسرقُ مِّمَن يسرق، ويسلبُ من يسلب، فتراهُ لا يكتفي بحاجتهِ التي تكفي يومه، ولا بمؤونة غَدِهِ فقط، إنما يتطلعُ بعينِ الطمع إلى ما في يد جاره ليسلبه ما يملك، و لا يكتفي من سكنه بما يتسع له ولأسرته من مأوى يحميهم قرَّ الشتاء وقيظ الصيف، بل يبني لنفسه قصراً يسع قبيلة بحالها، ولا يلقي بالاً إلى مئات الأُسر التي لا تملك مأوى يحميها شتاءاً أو صيفاً، وهو لا يقنع من المال ما يكفيه السؤال عما في أيدي الناس، بل يسعى جاهداً ليملأ خزائنه، والتي لو أراد استهلاكها مدى عمره ما نفدت، ولا ينظر بعين الرأفة لكثير من المعدمين الذين لا يملكون قوت يومهم فضلا عن قوت شهرهم وسنتهم، وهو بهذا الجمع إنما يجمع ما يحرم منه الناس، وبهذا الكنز إنما يكنز ما نفد من أيدي المعوزين، فما زاد غنى إنسانٍ إلا بما فَقِرَ به آخر، وما أُتخِمت معدةٌ إلا بما جاعت أخرى، ولو يدرك الإنسان بقليل من الرأفة حال الكثير من المعدمين، وتطلع إليهم نظرة رحيمة وأنفق من بعض ما جاد به الرازق عليه، لما كان لنا أن نرى فقيراً أو معدماً أو متسولاً، ولكفتِ البشريةُ نفسها، وارتقت بحالها. و لكن الطمعَ أبلغُ بنفسِ الإنسان من الكرم، والجشعُ أوصل إليها من الجود، فإلى أين تسير هذه البشرية الحمقاءُ بأخلاقها، إن هي لم ترحم بني جنسها، وإن هي كانت على غير بني جنسها من شتى أنواع الحيوانات أرأف، هل إلى الكمال تسير؟! أم إلى أسفل الدرجات تهبط؟!
التسميات :
قصص وروايات